عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ فَقَالَ: "امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ".
امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ
وفي رواية قال:
"أَتُحِبُّ أَن يَلِينَ قَلْبُكَ، وَتُدرِكَ حَاجَتَكَ؟ اِرحَمِ اليَتيمَ، وَامْسَح رَأَسَهُ، وَأطعِمَهُ من طعامك – يَلِنْ قَلْبَكَ، وتُدرِكَ حَاجَتَكَ".
من علامة إيمان الرجل أنه يشعر بقساوة قلبه إذا قسا؛ وذلك لأن القلب إذا استنار بنور الله على قدر ما فيه من الإيمان، لَان بذكر الله واستجاب لما يسمعه ويره من العظات والعبر، فإذا ضعف الإيمان شيئاً ما، قل النور وخفت وبهت بقدر ما نقص من الإيمان، وعند ذلك يشعر بالقسوة والغلظة، فيدفعه ما تبقى من الإيمان إلى البحث عن السبب في نقصانه الذي أدى إلى قسوة قلبه، ويدعوه حاله إلى التفكر الجاد في إصلاح نفسه، فيأخذ طريقه إلى الإصلاح بكل ما أوتى من عزم وهمة حتى يعود إليه إيمانه كما كان.
وهكذا يتعهد نفسه كلما شعر بذلك حتى يلقى الله عز وجل وهو يتقلب بين الخوف منه والطمع في رحمته.
وهذا رجل مؤمن يجيء إلى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسأله عن وسيلة تزيل قسوة قلبه وغلظته، فيقدر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاله ويهتم بالجواب عن سؤاله لأهميته البالغة؛ لأنه سؤال كل مؤمن بلا استثناءء، فيقول: "أَتُحِبُّ أَن يَلِينَ قَلْبُكَ، وَتُدرِكَ حَاجَتَكَ" وهو سؤال له ما بعده، يجلب به انتباه الرجل ويشوقه إلى ما سيرشده إليه كما علمه ربه عز وجل.
ولسان حال الرجل يقول: نعم، نعم أحب ذلك من أعماق قلبي.
فيقول
له الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"اِرحَمِ اليَتيمَ، وَامْسَح رَأَسَهُ، وَأطعِمَهُ من طعامك – يَلِنْ قَلْبَكَ، وتُدرِكَ حَاجَتَكَ".
والمعنى واضح ولكنه يتضمن من الأحكام ما نحن في حاجة إلى معرفته.
فمن هو اليتيم؟ وكيف نرحمه؟ ولماذا نمسح رأسه؟ إلى آخر ما هنالك من أسئلة تحتاج إلى جواب.
قلت في "الفقه الواضح من الكتاب والسمنة": اليتيم في اللغة هو: من مات أبواه أو أحدهما فانفرد عنهما أو عن واحد منهما، فاليتم في اللغة: الانفراد.
يقال: درة يتيمة، أي فريدة في نوعها، ودار يتيمة، أي لا يجاورها بيت من أي جهة من جهاتها الأربع.
وقيل اليتم معناه: الإبطاء، وقد سمي اليتيم يتيماً لأن البر يبطئ عنه. هذا معنى اليتم في اللغة.
أما في اصطلاح الفقهاء فمعناه أخص من هذا المعنى، فاليتيم عندهم هو: صغير مات أبوه.
فإذا بلغ زال وصف اليتم عنه وأصبح رجلاً يلي أموره بنفس ما دام رشيداً وقد يسمى بعد البلوغ يتيماً باعتبار ما كان؛ لغرض من الأغراض البلاغية، كالمبالغة في الحث على دفع ماله إليه عند بلوغه الرشد والتحذير من أكل شيء منه.
كما قال تعالى:
{ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ }
(سورة النساء: 2).
ومن المعلوم أنهم لا يؤتون أموالهم إلا بعد البلوغ وحينئذ يزول عنهم وصف اليتم، ولكن الله عز وجل سماهم يتامى بعد البلوغ مبالغة في حث الأولياء على مراقبته تعالى في أمرهم عند تسليم أموالهم.
فإن قلت: لِمَ لم يعتبر الشرع من فقد أمه يتيماً كالذي فقد أباه؟
قلت: لأن الأب هو الذي يعول الصغير ويرعى شئونه ويقوم بتأديبه وتعليمه، وكثيراً ما يجد ولده فيه من العطف والحنان ما يعوضه عن أمه.
وقد رغب الإسلام القادرين من أهل البر والصلاح في كفالة اليتامى والإحسان إليهم، والعطف عليهم، وحفظ أموالهم، والعمل على إعدادهم جسمياً ونفسياً وعقلياً حتى يصيروا رجالاً صالحين.
قال تعالى:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ }
(سورة البقرة: 220)
وقال
جل شأنه:
{ وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }
(سورة النساء: 2).
وقال
جل وعلا:
{ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ }
(سورة النساء: 6).
وقال
جل ثناؤه:
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }
(سورة النساء: 9-10).
وقال
تبارك وتعالى:
{ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ }
(سورة الضحى: 9).
وقهره ضربه من غير مصلحة، وتجويعه وإهانته، وجرح مشاعره وإحراجه، وتكليفه بما لا طاقة له عليه، وغي ذلك من سوء المعاملة.
وقد جعل الله زجر اليتيم علامة من علامات التكذيب بالدين.
فقال
جل شأنه:
{ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }
(سورة الماعون: 1-3).
وقال جل شأنه:
{ كَلاَّ بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ }
(سورة الفجر: 17-18).
وقد كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبالغ في بر اليتيم وإكرامه والعطف عليه، ويرغب أصحابه في ذلك ترغيباً عظيماً، لا لأنه عاش يتيماً وذاق مرارة اليتم، ولكنه كان يشعر بحاجة اليتيم إلى ذلك.
والأحاديث الواردة في شأن اليتيم كثيرة منها:
قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا.
وقوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ".
وقوله:
"مَنْ قَبَضَ يَتِيمًا مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَلبَتة - إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ لَهُ"؟
أي
إلا أن يشرك بالله كما قال تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ }
(سورة النساء: 48).
وقال
صلوات الله وسلامه عليه:
"مَنْ عَالَ ثَلَاثَةً مِنْ الْأَيْتَامِ كَانَ كَمَنْ قَامَ لَيْلَهُ وَصَامَ نَهَارَهُ وَغَدَا وَرَاحَ شَاهِرًا سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ أَخَوَيْنِ كَمَا أن هَاتَيْنِ أُخْتَانِ. وَأَلْصَقَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى".
وقال
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" مَنْ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا الِلَّهِ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ، كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ: السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى".
وقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"والذي بعثني بالحق لا يعذب الله يوم القيامة من رحم اليتيم ولان له في الكلام، ورحم يتمه وضعفه، ولم يتطاول على جاره بفضل ما آتاه الله".
واليتيم إذا كان من المساكين كان إطعامه وبره أعظم أجراً عند الله عز وجل.
والمسلم من ذوي القلوب الرحيمة – ينظر أين يضع صدقته، ويعرف أن أفضل من ينبغي أن يمنحها إياه هم الأرامل واليتامى والمساكين، ولا سيما إذا كانوا على هدى وتقى.
قال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ",. وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ".
وإليك بعض ما يتعلق باليتامى من أحكام.
* * *
1- أولى الناس بكفالة اليتيم أقربهم إليه من جهة العصبة.
فإن لم يوجد له قريب من عصبته كفله أقرب الناس إليه من جهة رحمه كجده من أمه وخاله.
فإن لم يوجد له قريب من جهة أمه، أوصى الحاكم به من يقوم بكفالته، أو ألحقه بدار من دور رعاية الأيتام المنتشرة في طول البلاد وعرضها.
2- مخالطة اليتيم في طعامه وشرابه جائزة
فقد أباح الله لأولياء اليتامى أن يخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم؛ رفعاً للحرج ودفعاً للمشقة بشرط أن يكون ذلك بقصد الإصلاح وتوخي العدل في القسمة بقدر الإمكان.
فقال
جل شأنه:
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
(سورة البقرة: 220).
وروى
أبو داود والنسائي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال:
" لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } وَ { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا } انْطَلَقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ يَتِيمٌ فَعَزَلَ طَعَامَهُ مِنْ طَعَامِهِ وَشَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ فَجَعَلَ يَفْضُلُ مِنْ طَعَامِهِ فَيُحْبَسُ لَهُ حَتَّى يَأْكُلَهُ أَوْ يَفْسُدَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (سورة البقرة: 220). فَخَلَطُوا طَعَامَهُمْ بِطَعَامِهِ وَشَرَابَهُمْ بِشَرَابِهِ".
فقد دلت هذه الآية على جواز التصرف في مال اليتيم بما فيه مصلحته العاجلة أو الآجلة من بيع وشراء وغير ذلك، فيجوز لولي اليتيم أن يتجر له في ماله فيجعل لنفسه من الربح بقدر عمله لو اتجر في مال شخص آخر.
ويباح له أن يبنى له داره أو يهدمها إن كان في هدمها مصلحة تعود على اليتيم.
3- اتفق الفقهاء على أن لا يجوز لولي اليتيم إن كان غنياً أن يأخذ من مال يتيمه شيئاً.
لقوله تعالى:
{ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ }
(سورة النساء: 6).
والاستعفاف عن الشيء تركه، والعفة هي الامتناع عما لا يحل فعله.
واختلفوا
في الفقير على سبعة أقوال أو أكثر، وخلافهم يرجع إلى مفهوم قوله تعالى:
{ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ }
(سورة النساء: 6).
فقال جماعة منهم: يباح للفقير أن يأكل من مال اليتيم بقدر حاجته الضرورية، وحملوا الآية على ظاهرها؛ مستدلين بما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلاً أتى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم.
فقال
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مُبَاذِرٍ وَلَا مُتَأَثِّلٍ"
أي: ولا جامع مال لك ولأولادك من ماله. أو لا تأكل من ماله وتوفر مالك لتدخره لأولادك، يقال: مال مأثول أي مجموع له أصل.
واستدلوا أيضاً بما في صحيح مسلم: "أن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت في تفسير الآية: نزلت في وَالِي مَالِ الْيَتِيمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُصْلِحُهُ، إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ. وهذا هو قول أكثر أهل العلم.
ولليتامى أحكام كثيرة غير التي ذكرناها هنا تطلب من كتب الفقه، وسيأتي بعض أحكامه في الحديث التالي.
والذي يعنينا في شرح هذه الوصية وتحليلها أن نتعلم منها كيف تكون الرحمة باليتيم، وهي كلمة واسعة الدلالة تتسع لكل ما من شأنه أن يكون براً به وعطفاً عليه وإحساناً إليه.
وذلك يكون بحسن كفالته والاهتمام بتأديبه وتعليمه وإعداده إعداداً جيداً لخوض ميدان الحياة المختلفة بعزم وحزم، ومعرفة ما ينفعه وما يضره في أمر دينه ودنياه.
ومسح رأسه تعبير صادق عن حبه له وشفقته به؛ بشرط أن يكون هذا المسح خالصاً لوجه الله تعالى.
والإخلاص عليه مدار صحة الأعمال وقبولها كما هو معلوم.
وإجلاس اليتيم معك إلى طعامك – أيها الأخ المسلم – تعبير عن مساواتك به بأولادك وذوي قرباك، ولا يخفى ما في ذلك من إيناسه بك وإزالة آثار اليتم عنه بحنانك ومخالطته لك.
إن من أعظم الإحسان إلى اليتيم ألا تذكره بيتمه، وألا تشعره بفقره ومسكنته، وألا تحمله على أن يضع اليتم في اعتباره دائماً فيصاب بعقدة نفسية الله أعلم بمدى تأثيرها على أخلاقه وسلوكه حين يبلغ السعي ويخالط الناس.
واعتبر
– أيها الأخ المسلم – بقوله تعالى:
{ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً }
(سورة النساء: 9).
واعلم أنك كما تدين تدان.
والخير يبقى وإن طال الزمان به والشر أحبث ما أوعيت من زاد
هداني الله وإياك إلى الصراط المستقيم.
المقالات ذات الصلة
مقالات وموضوعات متنوعة
مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ
وقد أوصانا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك في أحاديث كثيرة، كان منها هذا الحديث الذي يعتبر – في نظري – من أهم الوصايا التربوية التي تتعلق بالنشئ.وذلك لأن الصلاة عماد الدين، وركنه الركين، وهي الصلة الوثيقة بين العبد وربه – عز وجل -، كما بينا في وصية سابقة. ولها من الفضائل الكثيرة ما عرفناه، وما لم نعرفه.
مَنْ غَشَّنا فَلَيْسَ مِنِّا
والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حليم كريم رحيم بطبعه، يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة المقنعة. فقد قال لهذا الرجل وأمثاله: "مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّي" أي من صدر الغش منه فليس على نهجي وسنتي،وليس هو من أحبابي، ولا تناله شفاعتي، ولا يحظى بالانتساب إلى يوم القيامة، وإن كان لم يخرج بذلك عن الإسل...
حُكْمِ اللُّقَطَةِ
كان أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتقون الشبهات كلها: صغيرها وكبيرها، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً؛ وذلك استبراء لأعراضهم وصيانة لدينهم وحرماتهم عند الله. فإذا شكل عليهم أمر ترددوا فيه بين الحل والحرمة واستفتوا فيه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيفتيهم كما علمه ربه عز وجل.
أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ
عَنْ أَبِي ذَرٍّ جندب بن جنادة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ". قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا". قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَص...
مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ". التعاون على البر والتقوى أصل من أصول الدين، تجتمع فيه المكارم كلها، وتلتقي عنده جميع أصول ال...
اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِن
الفراسة – بكسر الفاء – هي: المهارة في تعرف بمواطن الأمور من ظواهرها، واستخلاص الرأي السديد من الآراء المتعددة. وهي النظر الثاقب فيما يُرى ويُسمع، والبصر النافذ فيما يضر وينفع. والتفرس في الأمور قد يكون مبنياً على الذكاء المفرط، والحنكة في التجربة، والخبرة بعادات الناس وظروف الحياة.