الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ

الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ

الرَّجُلُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ

وَعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: "لَا يَنْفَتِلْ، أَوْ لَا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".

هذا الحديث أصل من أصول الإسلام استنبط منه الفقهاء قواعد فقهية يشد بعضها بعضاً، فقالوا: اليقين لا يزول بالشك، وقالوا: اليقين لا يرتفع إلا بيقين، وقالوا: يجب استصحاب الأصل وطرح الشك وبقاء ما كان على ما كان، وقالوا: الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطاريء عليها. وكلها ألفاظ متقاربة في المعنى.

وهم متفقون على هذه القاعدة ولكنهم مختلفون في كيفية استعمالها، على ما سيأتي بيانه في نهاية شرح هذا الحديث.

وهذا الحديث من أمهات الأحاديث التي تعالج مرضاً عقلياً ونفسياً قد استفحل خطره واستشرى ضرره على الكثير من الناس، ولاسيما الذين أخذوا طريقهم إلى الله تبارك وتعالى، واستعانوا به على طاعته وابتغاء مرضاته، فإن هؤلاء يعمل الشيطان جهده في صدهم عن الصراط السوي وإفساد عبادتهم بإلقاء الوساوس والشبهات في قلوبهم وتشكيكهم في كل شيء يتعلق بأمور دينهم.

لهذا كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحذر من الأخذ بالشك في الأمور التي تتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات، والتمادي في الوساوس التي يميلها الشيطان عليهم ليلبس عليهم دينهم ويوقعهم في حرج شديد يعوقهم عن تأدية وظائفهم الدينية والدنيوية، ويثبط هممهم عن طلب المعالي والسعي إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم في داري الدنيا والآخرة، فيقول:

"دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ الْكَذِبَ رِيبَةٌ".

أي: دع ما تشك فيه، واعتمد على اليقين في شأنك كله؛ فإن اليقين صدق والصدق طمأنينة للقلب وسكينة للنفس، والكذب على الضد من ذلك.

وقد تقدم شرح هذا الحديث.

والوسوسة خبل في العقل أو نفص في الدين، فإن لم يكن الوسوس مخبولاً في عقله فهو ناقص في دينه ضعيف في إيمانه؛ بسبب جهله بتعاليمه، أو بسبب انخراطه في المعاصي، أو بسببهما معاً.

وهو آفة من الآفات الخطيرة التي يصعب على المرء تلافيها إذا ما استحكمت في العقل، وتمكنت منه؛ فهو أقوى سلاح يحارب الشيطان به بني آدم، ولهذا أمرنا الله أن نستعيذ به من شره وشر وساوسه كلما شعرنا بورودها على قلوبنا.

فقال جل شأنه:

{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }

(سورة الأعراف: 200-201).

وقد كان النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر من قراءة المعوذتين في صباحه ومسائه طرداً للشيطان ودفعاً لوساوسه، وهو المعصوم، فكيف بنا نحن!

تعالوا بنا ننظر في هذا الحديث أولاً ثم نعود إلى حديثنا عن الوساوس مرة أخرى حيث نتبين موقف المغالين والمعتدلين فيه.

شكا عبد الله بن زيد الأنصاري وغيره مما يجده المصلي في صلاته من شعوره بشيء مما ينقض الوضوء قد خرج منه، وهو غير متيقن من خروجه هل ينصرف من صلاته ويتوضأ ثم يعود إليها أم ماذا يفعل؟

وهي شكوى وسؤال.

أما كونها شكوى؛ فلأنهم قد وجدوا في ذلك حرجاً شديداً؛ فإن الرجل منهم يحسن الوضوء ويقبل على صلاته خاشعاً، حتى إذا اندمج فيها وأحس بالروح والريحان وملكت عليه صلاته مشاعره جاء الشيطان فألقى في قلبه ما ألقى من الوساوس التي تعكر عليه صفوها، ويخيل إليه أنه قد خرج منه ريح أو نزلت منه قطرة من بول، فيذهب عنه الخشوع ويتردد في الخروج منها والبقاء فيها فيعوقه هذا التردد عن إتمامها على الوجه الذي يرضي الله عز وجل.

وأما كونه سؤالاً فلأنهم لم يجدوا في أنفسهم قدرة على تحمل هذا الحرج، ولم يعرفوا كيف الخروج منه فلجأوا إلى من يوحَى إليه ليجدوا عنده علاجاً لهذا الداء الخطير، فأجابهم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بجواب رفع به الحرج ودفع به المشقة، فقال:

"لَا يَنْفَتِلُ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ – شك من الراوي - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".

 أي حتى يتيقن من خروج الشيء الناقض للوضوء، ولا يقطع صلاته لمجرد الشك؛ فإن ذلك يمكن الشيطان منه ويقويه على إفساد صلاته، وهي الركن الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، فإذا أفسدها عليه فقد أفسد عليه دينه كله.

ومن جهة أخرى يغرس النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطمأنينة في قلوب المؤمنين فلا يأتيهم من قبل الشيطان شيء من وساوسه وهواجسه، فيوصيهم أن يأخذوا باليقين ويطرحوا الشك في الصلاة وفي سائر أمورهم الدينية والدنيوية.

فتكون هذه الوصية هي الأصل الذي يرجع إليه الفقهاء في تقعيد القواعد التي يندرج تحتها ما جد وما يجد من شئون الدين والدنيا.

والشيطان الرجيم إذا سمع المؤذن يؤذن خرج من المسجد، فإذا انتهى المؤذن من أذانه عاد إليه فإذا أقيمت الصلاة خرج، فإذا دخل الناس في الصلاة دخل في قلب هذا وذاك فوسوس له بما يفسد عليه صلاته، ويسمى هذا الشيطان خنذب، كما جاء في بعض السنن.

وعلى المسلم أن يقنع نفسه بأنه لم يخرج منه شيء مادام لم يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وليقل في نفسه: هذه وساوس شيطانية.

فقد جاء في صحيح ابن حزيمة وابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْدَثْتَ. فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ، إِلَّا مَا وَجَدَ رِيحًا بِأَنْفِهِ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا بِأُذُنِهِ".

وروى ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد أيضاً

أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الشَّيْطَانُ فَقَالَ: إِنَّكَ أَحْدَثْتَ. فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ".

وقد روى مسلم في صحيحه حديثاً بمعنى هذا الحديث الذي نحن بصدده مع زيادة يجب التنبيه عليها هنا تتمة للفائدة.

فعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءِ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ، أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ – أي من الصلاة - حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا".

فبعض الناس يشعر بحركة غير عادية في بطنه، ويسمع صوت ريح فيشك هل خرج هذا الريح من دبره فعلاً، أم سمع صوته من الداخل دون أن ينطلق إلى الخارج، فيتخير في أمره، ويتردد بين الخروج من الصلاة والبقاء فيها، فيفتقد بهذا التردد الخشوع فيها وهو روحها، فيأتيه الجواب الحاسم من الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بأن الشك لا يرفع اليقين.

وأن المعول عليه في مثل هذه الأمور التعبدية هو البقاء على اليقين الأصلي حتى يتيقن تماماً من زواله؛ فاليقين لا يرتفع إلا بيقين كما عرفنا آنفاً.

ونعود إلى الحديث عن خطر الوسوسة في الصلاة وغيرها من أمور الدين والدنيا. فنقول: إن كثيراً من الناس أخذوا بمبدأ الشك في العقائد وبالغوا في طلب اليقين وغلوا في ذلك، حتى زاغت بصائرهم عن الحق وانحرفت بهم الأهواء عن الصراط السوي، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل.

وهناك قوم أدى بهم الوسواس إلى خبل في عقولهم، واضطراب في سلوكهم، وانحراف في أمزجتهم، وأصيبوا من جراء ذلك بعقد نفسية خطيرة، ليس لها علاج ميسور، كالسواس القهري، والانفصام في الشخصية، وفقدان الذاكرة وغير ذلك مما هو معروف عند علماء النفس.

(وهناك أقوام من أهل العلم شددوا على أنفسهم وعلى الناس، فأفتوهم بما يشق عليهم قبوله وتطبيقه، وقالوا: نحن نتشدد أحياناً في الفتوى، ونأخذ أنفسنا بالحزم في بعض الأمور، سداً للذريعة، وغلقاً لأبواب التهاون والاستخفاف بالأحكام التكليفية وتمسكاً بالاحتياط، والاحتياط في الدين أولى من التهاون فيه قطعاً، ولنا على ذلك شواهد كثيرة من السنة والأثر الصحيح عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

من ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ"

أي دع ما تشك فيه إلى ما تطمئن إليه.

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ".

وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ".

وقد وجد النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تمرة فقال:

"لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنَّ تَكون مِنْ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا".

قالوا: وقد أفتى مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فيمن طلق امرأته وشك هل هي واحدة أم ثلاث: بأنها ثلاث، أحتياطاً للفروج، وأفتى من حلف بالطلاق أن في هذه اللوزة حبتين، وهو لا يعلم ذلك فبان الأمر كما حلف عليه: أنه حانث؛ لأنه حلف على ما لا يعلم. وقال فيمن طلق واحدة من نسائه ثم أنسيها: يطلق عليه جميع نسائه احتياطاً وقطعاً للشك.

وقال أصحاب مالك فيمن حلف بيمين ثم نسيها: إنه يلزمه جميع ما يحلف به عادة، فيلزمه الطلاق، والعتاق، والصدقة بثلث المال، وكفارة اليمين بالله تعالى، والحج ماشياً، ويقع الطلاق في جميع نسائه، ويعتق عليه جميع عبيده وإمائه، وهذا أحد القولين عندهم.

وقال كثير من الفقهاء: من خفى عليه موضع النجاسة من الثوب وجب عليه غسله كله.

وقالوا: إذا كان معه ثياب طاهرة وتنجس منها ثياب، وشك فيها، صلى في ثوب بعد ثوب، بعدد النجس، وزاد صلاة لتيقن براءة ذمته.

وقالوا: إذا اشتبهت الأواني الطاهرة بالنجسة أراق الجميع وتيمم، وكذلك إذا اشتبهت عليه القبلة، فلا يدري في أي جهة، فإنه يصلي أربع صلوات عند بعض الأئمة؛ لتبرأ ذمته بيقين.

وقالوا: من ترك صلاة يوم ثم نسيها وجب عليه أن يصلي خمس صلوات.

وقد أمر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شك في صلاته أن يبنى على اليقين.

وحرم أكل الصيد إذا شك صاحبه هل مات بسهمه أو بغيره، كما إذا وقع في الماء.

وحرم أكله إذا خالط كلبه كلباً آخر، للشك في تسمية صاحبه عليه.

وهذا باب يطول تتبعه، فالاحتياط والأخذ باليقين غير مستنكر في الشرع، وإن سماه بعض الفقهاء وسواساً أو غلواً.

فنحن إذا احتطنا لأنفسنا وأحذنا باليقين وتركنا ما يريب إلى ما لا يريب، وتركنا المشكوك فيه للمتيقن المعلوم، وتجنبنا محل الاشتباه لم نكن بذلك عن الشريعة خارجين، ولا في البدعة والجين).

وقال أهل الاعتدال والاتباع: الاحتياط في الدين واجب، بشرط ألا يتعارض مع النصوص القرآنية والسنة النبوية وما عليه السلف الصالح من أصحاب النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم أعلم الناس بالكتاب والسنة.

وقد علمنا أن الإسلام دين مبني على اليسر والسماحة، ورفع الحرج ودفع المشقة، وقلة التكاليف والمرونة والحيوية التي جعلته صالحاً للتطبيق في كل زمان ومكان، فأي تشدد في الدين يسلبه هذه الخصائص أو يسلب بعضها يكون أخطر من التهاون فيه، والفضيلة وسط بين رذيلتين في الغالب.

وسد الذرائع أمر لابد منه، والأخذ بالاحتياط شيء لا معدل عنه، بشرط ألا يتجاوز الحد الذي ينبغي أن تعرف معالمه من الكتاب والسنة لا من أقوال الفقهاء من غير تمحيص ولا نظر.

والحق أن معرفة الوسطية بين الغلو في الدين والاحتياط من الأمور التي تحتاج منا إلى جهد جهيد وميزان دقيق، ونظر صائب في الأدلة من جهة، وفي تطبيقها على كل ما وجد من شئون الدين والدنيا من جهة أخرى.

كما أن النظر في الأدلة ينبغي أن يكون مجرداً عن الهوى الجامح والتيار المنحرف والتقليد الأعمى.

يقول الله عز وجل:

{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

(سورة الأنعام: 153).

ويقول الله عز وجل:

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ }

(سورة النساء: 171).

ويقول الله جل شأنه:

{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }

(سورة الأحزاب: 21).

ويقول عز من قائل:

{ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

(سورة البقرة: 229).

فهذه الآيات وما في معناها دعوة صريحة إلى التمسك بالنصوص الشرعية، والوقوف عندها من غير زيادة ولا نقص.

فمن زاد في الدين فقد ابتدع، ومن نقص فيه أساء وظلم، وما نشأت البدع إلا من وساوس الشيطان؛ فالشيطان اللعين يأتي ابن آدم عن طريقين: طريق الشبهات وطريق الشهوات، والأول أخطر من الثاني؛ لما فيه من التلبيس والتزييف والإغراء بهدم الدين باسم الدين.

يقول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الذي رواه أحمد والنسائي:

"إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنّما أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ".

وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِات. وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ".

وقال عليه الصلاة والسلام:

"إِنَّ هَذا الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ".

فالفقه كل الفقه في الاعتدال في الدين والاعتصام بالسنة، التي رسمها الله لعباده في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام.

هذا. وأكثر ما يقع الوسواس في الطهارة والصلاة، لهذا أكثر الفقهاء في كتبهم ودروسهم من التنبيه على ذلك والتحذير مما يعتري الصالحين منهم في النية والوضوء والغسل، وأفعال الصلاة كلها.

ومن هذا الحديث نستنبط بعض الأحكام التي لا غنى لنا عن معرفتها.

أولها: أنه لا وضوء على من شك في الحدث مع تيقنه من أنه توضأ، وهذا قول الشافعية وكثير من الفقهاء على اختلاف مذاهبهم.

وقيل: من شك في الحدث استحب له تجديد الوضوء دفعاً للشك المنافي للخشوع، وهذا ما قاله جمهور المالكية، بل أوجبه بعضهم؛ محافظة على روح الصلاة وهو الخشوع.

وثانيها: وجوب سؤال العلماء عما يحدث من الوقائع، ووجوب الجواب على من سئل.

ويؤخذ من هذا الحديث كراهة الاستحياء في طلب العلم؛ فلا حياء في فهم الدين. والدين يضيع بين الحياء والكبر.

وبعد، فهذا ما وسعني ذكره في شرح هذا الحديث وبيان مقاصده وقواعده وأحكامه.


نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في الدين ويعلمنا التأويل.

المقالات ذات الصلة

مقالات وموضوعات متنوعة

المقالات

اشترك للإطلاع على جديد الموقع