" فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرنا وَخَبَر أَبِي عَامِرٍ,وَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: قُلْ لَهُ: يَسْتَغْفِرْ لِي , فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ بِمَاءٍ , فَتَوَضَّأ مِنْهُ , ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: " الّلهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ، أَبِي عَامِرٍ" , حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: " اللّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ مِنَ النَّاسِ"
بيان ما يُسَنُّ للمسلم فعله إذا أراد أن يدعو , فمِـن السُّـنَن :
أ/ أن يدعو وهو على طهارة .
لحديث أبي موسى - رضي الله عنه - في الصحيحين , وقصته مع عَمِّه أبي عامر - رضي الله عنه - , حين بعثه النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - على جيش أوطاس , وفي الحديث : قُتل أبو عامر - رضي الله عنه - , وأوصى أبا موسى - رضي الله عنه - أن يُقرئ النَّبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - السلام , ويدعو له , قال أبو موسى :
رواه البخاري برقم (4323) , رواه مسلم برقم (2498) .
ب/ استقبال القِبلة.
وعن عبد اللّه بن عَبَّاس - رضي الله عنهما - قال: " حَدَّثنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ ، وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللّهِ الْقِبْلَةَ ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَـذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ" فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، مَادّاً يَدَيْهِ ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ. ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ. وَقَالَ: " يَا نَبِيَّ اللّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ ، فَإنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ..."
رواه مسلم برقم (1763).
ج/ رفع اليدين.
ويدلّ عليه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - السابق , وفيه :
" فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللّهِ الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ "
والأحاديث لهذه السُّنَّة كثيرة .
د/ البدء بالثناء على الله - عز وجل - , والصلاة على رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -.
لِمَا رواه الترمذي , عن فَضَالَةَ بن عُبَيْد - رضي الله عنه - قال :
بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي" ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:" عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، وَصَلِّ عَلَيَّ ، ثُمَّ ادْعُهُ "
رواه الترمذي برقم (3476), وصححه الألباني (صحيح الجامع 1/172).
ﻫ/ دعاء الله - تعالى - بأسمائه الحسنى.
فيختار من أسماء الله الحسنى ما يلائم دعوته ويوافقها ؛ فإذا سأل الله - سبحانه - الرزق , قال: "يا رزاق " ، وإذا سأل الله - تعالى - الرحمة , قال: "يا رحمان يا رحيم"، وإذا سأل الله - عز وجلّ - العِزَّة , قال: "يا عزيز" ، وإذا سأل الله - عز وجلّ - المغفرة , قال " يا غفور " , وإذا سأله شفاء قال : "يا شافي".
وهكذا يدعو بما يناسب دعوته ؛ لقوله تعالى :
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}
[الأعراف:180].
و/ تكرار الدعاء , والإلحاح فيه.
ويدلّ عليه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي تقدَّم حيث قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - :
" اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي" , وما زال يهتف بربه - تعالى - حتى سقط رداؤه عن منكبيه , وأبو بكر يلتزمه ويقول له : " يَا نَبِيَّ اللّهِ كَفَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبَّكَ "
رواه مسلم برقم (1763).
وكذلك ما جاء في الصحيحين , من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - حينما دعا النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لدَوْس , فقال :
" اللهم اهْدِ دَوْساً وائْتِ بهم ، اللهم اهْدِ دَوْساً وائت بهم "
رواه البخاري برقم (2937) , رواه مسلم برقم (2524) .
وكذلك ما جاء في صحيح مسلم , في :
" الرَّجُلُ يُطِيلُ السَّفَرَ , أَشْعَثَ أَغْبَرَ , يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. يَا رَبِّ يَا رَبِّ "
رواه مسلم برقم (1015)
وهذا تكرار فيه إلحاح .
والسُّنَّة أن يدعو ثلاثاً ؛ لحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - في الصحيحين , وفيه : " وَكَانَ إِذَا دَعَا , دَعَا ثَلاثًا ، وَإِذَا سأَلَ , سَأَلَ ثَلاثًا , ثُمَّ قَالَ : "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ "
رواه البخاري برقم (240) , رواه مسلم برقم (1794) .
ز/ إخفاء الدعاء.
لقوله تعالى :
{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}
[الأعراف:55]
وإخفاء الدعاء أقرب للإخلاص , ولذا امتدح الله – عز وجلّ - زكريا - عليه السلام - فقال :
{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً }
[ مريم:3 ]
طلباً للإخلاص على أحد أقوال أئمة التفسير .
فائدة : ربما يسأل البعض : ماذا أقول في دعائي ؟
فالجواب : ادع بما تريده من أمور الدنيا والآخرة , واحرص في دعائك على جوامع الكَلِم , وهي الأدعية الواردة في الكتاب والسُّنَّة , ففيها سؤال خيري الدنيا والآخرة , وتأمل هذا السؤال حين عُرض على النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأجاب بكلمات عظيمات , تجمع للمسلم الدنيا والآخرة , فما أعظمها من بشارة , وما أجزلها من عطيَّة , فتمسك بهن وتدبرهن .
عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه - رضي الله عنهما- :
" أَنَّهُ سَمِـعَ النَّبِي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسْأَلُ رَبِّي؟ قَالَ : "قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , وَارْحَمْنِي , وَعَافِنِي , وَارْزُقْنِي" , وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهُ إِلاَّ الإِبْهَامَ " فَإِنَّ هؤُلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ"
رواه مسلم برقم (2697) .
وفي رواية له :
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصَّلاَةَ , ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي , وَاهْدِنِي , وَعَافِنِي , وَارْزُقْنِي"
رواه مسلم برقم (2697) .
فائدة أخرى : يُسَنُّ للإنسان أن يدعو لأخيه بظهر الغيب , فهي دعوة مستجابة بإذن الله - تعالى - , وللداعي فضل عظيم , وهو ما رواه مسلم في صحيحه , عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
"دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ ، مُسْتَجَابَةٌ , عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ , كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: "آمِينَ, وَلَكَ بِمِثْلٍ"
رواه مسلم برقم (2733)
البطاقات ذات الصلة
عرض البطاقات